تدوينة

أزمة ربع العمر..تجربة جديدة قادمة.

أهلا بكم، عساكم بخير جميعا..

نحن على بُعد أقل من ثلاثة أشهر على انقضاء سنة 2020، أردت أن أقيِّم إنتاجيتي خلال الأشهر التي مضت و أحدد أهدافا جديدة لما تبقى من السنة، فتحت المذكرة التي كتبت فيها مخططي لهذا العام، وجدت قائمة طويلة وعريضة من الأهداف التي لم أحقق إلا الربع منها إن لم يكن أقل من ذلك، أصبت بإحباط شديد خاصة وأن أغلبية الأهداف التي حققتها كانت قبل شهر مارس أي قبل فترة العزل الصحي، هنالك تناقض شديد، من المفروض أن تكون سنة مليئة بالإنجازات لتوفر الوقت الكافي للقيام بكل شيء، جلست أُحاسب ذاتي على تقصيرها، ورحت أسترجع وقت الفراغ الذي مضى فيما قضيته فلم أجد شيئا يستدعي أن يذهب كل هذا الوقت سدى، ولكني أعترف بأن شعوري هذا نابع مما أسميته بـ”المبالغة في المثالية” نعم..فأكثر شيئ سلبي كنت ولا زلت أعاني منه منذ دخولي إلى مرحلة العشرينات و إلى الآن هو السعي نحو الكمال، ففي كل مرة أحاول أن أبدأ بعمل شيء جديد، تعلم مهارة جديدة أو مشروع جديد أجدني أبحث عن أمثل طريقة للقيام به وإلا فلن أقوم به من الأساس، ومشكلة الكمال هنا هي المبالغة في جعل الوصول إلى الهدف النهائي مثاليا بطريقة غير واقعية، إلى أن وجدت قائمة أهدافي لا تزال على حالها، طريقة التفكير هذه تجعل الخطوة الأولى صعبة جدا، وتجعلني أستمر في التأجيل والتسويف، وهو أمر مستفز لي شخصياً، لأن وصولي إلى تلك الأهداف الرائعة والمثالية (التي في ذهني) يتطلب ظروفا مثالية. والمشكلة أن الظروف لن تكون أبدا مثالية، وبالتالي بدلا من تقبل النقص والفشل ومحاولة التطوير مع مرور الوقت، أبقى عاجزة عن القيام بأي شيء، وأظل أفكر في هدف مثالي جديد لن يتحقق مطلقا ما دمت أدور في نفس الدوامة.. ما لاحظته أن العديد ممن هم في نفس مرحلتي العمرية يعانون من نفس المشكل، وأظن بأن هذا راجع إلى الفارق بين كيف نرى أنفسنا اليوم وكيف نرى أنفسنا كما يجب أن نكون، وزيادة الفارق بين الاثنين تؤدي إلى الشعور بالإحباط.

قرأت على موقع Frontiers in psychology مقالا بعنوان “Examining the Phenomenon of Quarter-Life Crisis Through Artificial Intelligence and the Language of Twitter” أن هذه الحالة تسمى بـ“أزمة ربع العمر”، وذكر المقال بأن هذا المصطلح قد استخدم لأول مرة عام 2001 من طرف الأخصائيين النفسيين ألكسندرا روبينز وآبي ويلنر، وذلك لوصف حالات القلق التي تصيب الشباب في هذه المرحلة، وعرَّفها الطبيب النفسي أليكس فوك على أنها “فترة من انعدام الأمن والشك وخيبة الأمل حول حياتك المهنية والعلاقات والوضع المالي”. في حين آخر يرى الباحث أوليفر روبنسون من جامعة غرينتش في لندن أن “أزمة ربع العمر لا تحدث في ربع العمر حرفيا، ولكن في ربع طريق تحمل المسؤولية والنضج، في الفترة بين 25 و35 عاما، على الرغم من أنها تتبلور في الثلاثينات”. وروبنسون الذي قدم نتائج بحثه في المؤتمر السنوي لجمعية علم النفس البريطانية في جلاسكو، قدم وجهة النظر حول أزمة ربع العمر بناء على بيانات واستطلاعات رأي واتضح من خلالها أن 86 في المئة من 1100 شاب وشابة يشعرون بأنهم تحت الضغط بسبب إحساسهم أن عليهم أن ينجحوا في علاقاتهم وأمورهم المالية ووظائفهم قبل سن الـ30، في حين تستمر هذه الأزمة في المتوسط حوالي عامين، ويمكن أن تترك خبرة إيجابية لدى الشاب، ويقسمها إلى أربع مراحل :

  • المرحلة الأولى: تشعر بالانحباس في اختيارات حياتك وفي أهدافك، سواء كان عملك أو علاقاتك، كما أنك تشعر وكأنك تعيش على “القيادة الآلية”.
  • المرحلة الثانية: تشعر بالحاجة إلى خوض المجازفة للتخلص من مشاعر “الوقوع في الفخ مثل كل مرة”. على سبيل المثال، تشعر بعدم اليقين أو تشكك في علاقة ما أو وظيفة ما، فتقرر قطع هذه العلاقة أو التخلص من هذه الوظيفة على الفور على أمل التخلص من هذا الشعور.
  • المرحلة الثالثة: تترك الوظيفة أو تنهي العلاقة التي تجعلك تشعر بالانحباس وتتراجع إلى فترة التأمل الذاتي لتحديد من أنت أو تحاول اكتشاف غرض حياتك.
  • المرحلة الرابعة: تبدأ ببطء في إعادة بناء حياتك. قد تتضمن هذه المرحلة البدء في إقامة علاقات مع أشخاص جدد، وضع أهداف جديدة، وتحاول الحصول على استشارات للوظيفة أو العمل الذي يناسب شخصيتك، فتبدأ بتطوير اهتمامات واستحداث أنشطة جديدة موازية لطموحاتك.

وفي نفس المقال تنصح الأخصائية النفسية ميغ جاي الشباب من أجل تخطي هذه الأزمة دون خسائر بأن يتذكروا بأن الحياة ليست سباقًا، ويجب عليهم أن يحافظوا على كل ما يجعلهم سعداء في حياتهم، ويتخلوا عما سيحبطهم ويبقيهم في تلك الأزمة، حتى وإن كان وظيفة ما أو علاقة بصديق أو ما شابه، فلا يجب أن يبقوا أنفسهم سجناء لأيٍّ من تلك العوائق، ومن المهم البحث عن الشغف، فالكثير من الشباب يقعون في “أزمة ربع العمر” لأنهم يتعاملون مع الوظيفة الأولى لهم بعد التخرج من الجامعة على أنها وظيفة العمر، والتي إن تركوها فلن يجدوا بديلًا ولكن هذا غالبًا ما يكون خاطئًا، والتجارب الجديدة تمنح خبرات أكبر وتمنح الشاب فرصة الوصول إلى الوظيفة التي يجد شغفه فيها.

بحثت حول الموضوع أكثر فوجدت بأن هنالك العديد من الدراسات قد أجريت في هذا الشأن، فقمت بجمع بعض النصائح من مقالات متفرقة حول كيفية تخطي هذه الأزمة أو هذه المرحلة بنجاح:

  • التدرب على الوعي التام: إن الوعي الذهني هو القدرة على الحضور الكامل والوعي التام لأفكارنا وعواطفنا. وقد أظهرت الدراسات أنه من خلال ممارسة الوعي يمكنك الحصول على المرونة العصبية، مما يمكنك من التوقف للحظة والاستجابة للعواطف بطريقة أكثر إيجابية. وقد أظهرت الدراسات أن ممارسة الوعي من الممكن أن تساعد أيضاً في الحد من القلق والاكتئاب.
  • الحد من وسائل التواصل الاجتماعي: يمكن أن يساهم الضغط المستمر لمواكبة أصدقائك بالإضافة إلى المقارنات مع نجاحاتهم في صورة ذاتية سلبية ويمكن أن يزيد من الشكوك الذاتية حول نفسك. فالحد من وقت وسائل التواصل الاجتماعي أو القضاء عليه والتركيز على نفسك يمكنه أن يحد من شعورك بعدم الكفاية أو الإحباط المستمر.
  • حدِّد الأنشطة التي تشعرك بالسعادة: مارس الأنشطة أو الاهتمامات التي توفر لك التحسين الذاتي، مثل ممارسة هواية جديدة أو تعلمها، فضلاً عن الأنشطة التي تساعد الآخرين، مثل العمل التطوعي أو المشاركة في محادثة فكرية، مما سيساعدك على الحد من الأعراض الاكتئابية أكثر من الأنشطة السطحية مثل لعب ألعاب الفيديو أو الذهاب للتسوق.
  • قم بالتغييرات البسيطة أولا: لا تقم بتغيير وظيفتك أو عملك مرة واحدة، أو تغيير مجالك كليا مرة واحدة بل قم بذلك تدريجيا، لأنه سيساعدك في اكتساب المزيد من المهارات اللازمة لمشروعك أو مجالك القادم.
  • يجب استجماع الشجاعة لإعادة بناء حياة جديدة، والحصول على شخصيتك، ففي المراحل التعليمية المختلفة تتكون الشخصية نتيجة البيئة المحيطة أو تأثير الآخرين، لذلك فتلك الشخصية قد لا تكون الحقيقية، فعليك ألا تخشى مواجهة نفسك أو التغيير حتى يمكنك بناء حياة جديدة، والقضاء على التردد.

والآن مع نهاية هذه التدوينة بدأت في استيعاب المرحلة التي أمر بها بالتحديد، و كنت دائما ما أسمع هذه الجملة من أشخاص ملهمين لي “اِلْعَب سطاجك” جملة بالعامية الجزائرية معناها التقريبي “مارس حياتك أو تجربتك حسب المرحلة التي أنت فيها” بمعنى لا تنظر لما يحققه الآخرون وتقارن نفسك بهم، لديك ظروفك الخاصة ولديك وسائلك الخاصة إذن فحالتك خاصة بك أنت فقط ولست كما الآخرين، أرجو أن يكون معنى الجملة قد وصل.

وبهذا أكون قد أنهيت التدوينة، أتمنى أن تكونوا قد استفدتم ولو قليلا منها، شاركوني في التعليقات إذا كنتم قد مررتم بنفس الحالة وكيف كانت تجربتكم معها، إلى تدوينة أخرى بإذن الله.

في أمان الله.

صورة التدوينة محفوظة.

الإعلان

6 رأي حول “أزمة ربع العمر..تجربة جديدة قادمة.

  1. استفدت من التدوينة ، تدوينة مفيدة ،اشكرك على مشاركتنا إياها.
    احب هذا النوع من الدراسات التي تكشف لنا أنفسنا.

    بالنسبة لي فقد مررت بهذه المرحلة (المثالية) ووضع أهداف كبيرة.، اعتقد أني في المرحلة الرابعة “بناء شخصية جديدة”.
    الآن اعتقد ان افضل حل للتخلص من المثالية هو التركيز على العادات اليومية بدلاً من الأهداف الكبيرة، حولت الأهداف الكبيرة إلى عادات يومية بسيطة وسهلة جداً مع مرور الوقت سوف تأتي الأهداف الكبيرة.

    Liked by 1 person

  2. فيما يخص الأهداف المثالية وعدم تحقيقها أرى ان الأمر لا ينطبق فقط على الفئة العشرينية فقط، حتى من تجاوزوا الثلاثين ينطبق عليهم الأمر 😂
    عندما قررت ممارسة الرياضة بدون انقطاع لأول مرة، بدل أن أبدأ بتعلم تمارين الإحماء او الإستطالة كبداية قفزت الى تمارين تعتبر للمبتدئين لكن بدون إحماء ستؤثر عليك، وأيضا لأنني من البداية ضغطت على نفسي، فكانت النتيجة انني عانيت من الحساسية لعدة أشهر، لكن بعد ذلك قررت أن أبدأ خطوة خطوة وها أنا الحمدلله أستطيع ممارسة الرياضة بأريحية أفضل من قبل.
    فيما يخص البحوث التي قمتي بها تلخيصك من نقاط أرى نفسي فيها، وكنت قد قررت اعتزال وسائل التواصل ولي أسبوع وأنوِ الابتعاد عن المدونة كذلك، من الجيد معرفة تفاصيل الأشياء التي تقودنا الى مثل هذه التصرفات.
    تدوينة رائعة صديقتي، استمري 💙🌹
    وان شاء الله تحققي أحلامك وأهدافك حتى نهاية السنة

    Liked by 2 people

    1. بالفعل الأهداف الكبيرة تبدأ بخطوات صغيرة في البداية وجميل جدا ما فعلته..مزيدا من الإنجازات بإذن الله
      شكرا جزيلا لمرورك اللطيف عزيزتي ❤️

      Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s